بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :
۞ يا أيُّها النَّبيُّ اتَّقِ الله و لا تُطع الكافرين و المنافقين إِنَّ الله كانَ عليماً حَكيما . و اتَّبع ما يوحى إليْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ الله كان بما تعملونَ خبيرا . وَ تَوَكَّل على الله و كفى بالله وكيلا . ما جَعَل الله لِرَجُلٍ مِنْ قلبيْن في جَوْفِهِ . . . و ما جعل أَزْواجكُم اللاَّئي تُظاهِرُون مِنْهُنَّ أُمّهاتِكُم و ما جعل أَدْعِياءَكُم أَبْناءَكُم ذلكُم قَوْلُكم بأفواهِكُم و الله يقول الحقَّ و هُو يهْدي السبيل۞
( الأحزاب : 1-4 )
فِـتْـنة . . .
كان " أبو معمر " رجلاً من رجالات قريش المعدودين ، مفوهاً يحسن صناعة الكلام ، و ينطق بالعبارة المحكمة التي تفحم خصمه ، و تلجمه عن الجواب . . .
و يبدي من حضور الذهن ، و سرعة القول ما يجعل السامعين و الحاضرين في ذهول ممزوج بالإعجاب ، مقرون بالإكبار .
ما من مرة حضر مجلساً إلا و كان المسيطر فيه ، فهو المتحدث غير المنازع ، و الكل صاغون و كأن على رؤوسهم الطير . . .
لا يتركونه يمضي حتى يشبعوا و لا يملوا . . ، يمسكون به كلما حاول الانصراف ، و يتشبثون به ليستزيدوا من طرفه التي لا تنتهي .
و كان قوالاً حافظاً ، قد وعت ذاكرته أخبار الماضين ، إذ امتلأت بها جعبته ، و اتسع لها صدره . . . ، يعرف كيف يعرضها و يجذب الناس إليها ، فكان بهذا فتنة من فتن قريش في جاهليتها . . .
وَجْهاً لِوَجْهٍ مع الحق . .
و جاء وعد الله . . .
فابتعث رسوله "محمداً " – عليه الصلاة و السلام – هدى و نورا . . . ، و أوحى إليه بالقرآن بشيراً و نذيراً . . ، فراح يتلو آياته ، و يبصر الناس بحكمته و مضامينه ، و يبين لهم ما هم فيه من ضلالة في العقيدة و الحياة.
يدعوهم إلى عبادة الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، و ينهاهم عن عبادة الأصنام ، و العكوف على الأوثان . . .
و يستنهض همهم و إنسانيتهم ليتركوا عادات حياتية ألفوها فكانت مضرة لهم ، و أذى عليهم . . . ، و ينهجون في دنياهم نهجاً سوياً سليماً ، يحفظ عليهم أسرهم و مجتمعهم ، و يترقى بهم في مضمار الحضارة و المدنية ، ليكونوا خير أمة أخرجت للناس .
فاستجاب للحق أقلهم ، و أعرض عنه أكثرهم . . .
و كان الإعراض في قسوة و وحشية و عماء ، اشتدوا في إيذاء المؤمنين ، و أمعنوا في تعذيبهم و التضييق عليهم . . . ، و تعاموا عن رؤية الخير و الفضل ، و أصموا آذانهم عن سماع كلمة الحق .
و كان " أبو معمر " في زمرة الجاهليين . . .
و أنى لرجل فتنة أن يكون من أهل الهدى ! !
و أنى لرجل أعماه الغرور أن يبصر النور ! !
فتولى من منطق جهله و غروره يحرك لسانه في كل اتجاه ، ينال من كتاب الله و آياته . . . ، و يصيب من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه . . .
ذو القـلْـبـيْـن
و كان لبعض عباراته الرنانة صدى في نفوس الفارغين الخاوين . . .
كالطبل تماماً . . . منفوخ ضخم أجوف . . . ، الضربة البسيطة فوقه تترك دوياً هائلاً من غير حقيقة بينة ، أو فعل صادق .
لكنهم على جهالتهم كانوا يتأثرون ، فتشرئب أعناقهم ، و تتطاول رقابهم ، و تهذي ألسنتهم . . . ، و تبطش أيديهم . . .
و راحوا يرددون عن " أبي معمر " بأنه إنسان أريب لبيب ، يفوق الناس العاديين ذكاء و عقلاً، و حكمة و دهاء ، قد أوتى قلبين في صدره . . . ، و من ثم أطلقوا عليه لقب " ذي القلبين " ! ؟
في " بــدْر "
و خرج " أبو معمر " مع الخارجين إلى " بدر " في زفة و خفة ، تستحوذ عليهم عنجهية الجاهلية ، و كبرياء الغرور الأحمق ، و يحدوهم الأمل الكاذب ، يريدون أن يكذبوا الله و رسوله . . .
و أبى كبيرهم " أبو جهل " إلا أن يأتي مصرعه و حتفه . . .
فعندما التقى الجمعان ، و التحم الفريقان . . . ، استنصر رسول الله (ﷺ) ربه ، و دعاه بضراعة و حرارة ، فأيده بجنود من الملائكة مسومين . . .
و دارت رحى المعركة ، و بدأت رؤوس الكفر تتساقط و تتهاوى ، و الأشلاء تتناثر في كل مكان . . . ، و الأبدان تتخضب بالدماء و تتعفر بالتراب ، و الموت الزؤام يحصد الرقاب حصد السنابل ، و حلت الهزيمة النكراء بالمشركين ، فكانوا طوائف ثلاثاً – طائفة لقيت مصرعها ..، و أخرى وقعت في الأسر . . . ، و ثالثة ولت هاربة .
خرافة الجاهلية
و لقد كان " أبو معمر " أول الهاربين ، الفارين بأبدانهم من الموت ، فعندما رأى هول الموقف، و مصرع الكبراء و الزعماء ، و وقوع " أبي جهل " ممرغ الجبهة في التراب ، معفر الجبين برمال الصحراء ، قد سالت دماؤه ، و انقطعت أنفاسه ، و خرس لسانه . . .
عندما رأى ذلك دب الذعر إلى نفسه ، و أطلق ساقيه للريح ، طالباً للنجاة . . . ،
و من ثم قطع المسافة بين " بدر " و " مكة " ، و هي طويلة بعيدة ، في ذهول و شرود ، لا يدري ليله من نهاره ، ماشياً على قدميه . . . ، قد غفل عن ناقته . . .
و كان منظره و سوء حاله مدعاة سخرية الناس و الهزء به ، خصوصاً و أنه دخل مكة حافي القدمين . . . ، متأبطاً إحدى نعليه . . . يميل كالسكران يمنة و يسرة ، فقد أنهكه الضنى و أمضه الألم . . . ، و أذهله الخوف حتى عن نفسه .
و حين سئل عما هو فيه ، روى للسائلين أخبار الفاجعة و أنباء النازلة التي حلت بقريش ...
كانت أنفاسه متقطعة ، و عباراته متلعثمة ، و صوته متهدجاً ففوجئ الناس بما روى . . .
ثم لطموا الخدود و شقوا الجيوب و علت أصواتهم بالنحيب و الولولة ، و الصراخ و العويل . .
و قبل أن ينفضوا من حوله إلى دورهم بانتظار المزيد من التفاصيل و الأنباء ، و قد كرهوا الرواية و الراوي ، سألته إحدى النسوة بسخرية و مرارة :
- و ماذا تحمل تحت إبطك يا " ذا القلبين " ! ! ! أيها الهارب الفار ! ؟
عندئذ فقط تنبه من غفلته ، و استيقظ من سباته و أفاق من ذهوله و شروده ، و أدرك تفاهة غروره . . . ، فألقى بالنعل و هو يقول بحسرة و انكسار :
- نسيت . . .
و مضى من بين الجموع لا يلوي على شيء
و انطوت بهذا صفحة من صفحات الجاهلية ، و انحلت عقدة ، و هوى صنم ، و عرف الناس مدى افترائهم على الحق ، و تجنيهم على الحقيقة ، و أدركوا بعض الإدراك بأنه
۞ ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ منْ قلبيْن في جَوْفه ۞
و صدق الله العظيم
الخميس 12 أغسطس 2021, 9:05 pm من طرف محمد راضي عبدالله
» قف فقد سقط منك شيء ....؟؟؟؟
الخميس 12 أغسطس 2021, 8:50 pm من طرف محمد راضي عبدالله
» الاخطاء الطبية
الخميس 12 أغسطس 2021, 8:40 pm من طرف محمد راضي عبدالله
» عائشة بنت أبي بكر، أم المؤمنين
الجمعة 05 أكتوبر 2018, 1:34 am من طرف محمد راضي عبدالله
» شكوى ضد كل الأعضاء وخصوصي الأداريين
الأربعاء 25 يوليو 2012, 9:10 am من طرف زائر
» تعريف بداء السكري
الأربعاء 09 مايو 2012, 9:51 pm من طرف معتـر بس ابضاي
» لماذا يرسب الطلاب في المدرسة
الأربعاء 09 مايو 2012, 9:07 pm من طرف معتـر بس ابضاي
» الغيار على الجروح باستخدام الباكيت المعقم
الأحد 22 أبريل 2012, 8:43 am من طرف safo
» بدون تعليق فوت واتفرج
السبت 14 أبريل 2012, 2:21 pm من طرف الرقراقة
» فناااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان ( اعجوبة )
السبت 14 أبريل 2012, 2:17 pm من طرف الرقراقة
» تلطيشات ابو جانتي
السبت 14 أبريل 2012, 2:01 pm من طرف الرقراقة
» اسئلة امتحان بكلوريا سنة 2030
الثلاثاء 10 أبريل 2012, 5:36 pm من طرف الرقراقة
» ويبقى حمار حمار
الثلاثاء 10 أبريل 2012, 5:25 pm من طرف الرقراقة
» وضع زفت ودوام مافي فكيف حتكون هالسنة؟
الخميس 05 أبريل 2012, 1:12 am من طرف معتـر بس ابضاي
» عجائب حمص ثمانييييية
الأحد 22 يناير 2012, 11:49 am من طرف ياسين سعود